تحاول مدونة اليسارية جمع أخبار اليسار العربي

mardi 27 décembre 2011

الجدلية اللينينية و الصورية التروتسكية



الجدلية اللينينية و الصورية التروتسكية

غالبا ما كانت الفوضويـة نوعا من العقاب على الدنوب الإنتهازية في حركة العمال و كلا هدين المسخين 
(الفوضوية و الإنتهازية ) لينين مكمل لبعضهما 
إن عمق الأزمة التي تعيشها الحركة الماركسية-الينينية المغربية (الحملم),و خصوصا الانحرافات التي عرفتهـا من طرف الجل إن لم نقل الكل , أضف الى دلك مجموعة التحولات التي يعيشها العالم في العقد الأخير من هـذا القرن جعل التربة خصبة لنمو مجموعة من الطحالب في شكل تعبيرات سياسية صبيانية , تزعم لنفسها بأنهـا"ماركسية". وهكذا بدأت تتبلور في السنين الأخيرة في الشارع السياسي المغربي رؤية جديدة/قديمة تحاول تحديد أزمة الحملم على أنها أزمة في ألمنطلقات الفكرية والسياسية والتنظيمية, وعلى أن "الطرح "التروتسكي هو المنفد الوحيد والأوحد للعملية الثـورية المغربية إلا أن هداالطرح لا يعلن على نفسه بجرأة بل يلتجأ الى الإحتيال برفع شعار "اللينينية" لكن بضمون هو بعيد كل البعد عنها . والحال أن الحديث عن التروتسكية كنظرية مستقلة و منسجمة من الصعوبة بما كان نتيجة لتدبدب مواقف صاحبهــــا (أي تروتسكي) ابان الثورة الروسية فكما قال لينين "ان تروتسكي لم يكن له في يوم من الأيام رأي ثابت في أي قضية جدية من قضايا الماركسية فقد كان"يتسللدائما في "الثغرات" الإختلافات , وينتقل من معسكر لأخرلكن سنحاول توضيح الخطوط العريضة لتلك "النظرية" وذلك من خلال تقييم عام لمراحل الثورة الروسية واضعين على بساط البحث المواقف المختلفة لكل من لينين و تروتسكي حتى يتسنى لنا الإجابة على السؤال المطروح "هل بالفعل تمثل التروتسكية امتدادا لللينينية ؟ أم هي تحريف سافل لها؟"*ثورة 1905 إستطاع البلاشفة تحت قيادة لينين من تحديد المضمون الإقتصادي و السياسي لثورة 1905 بكونها ثورة ذات مضمون برجوازي ديموقراطي ، يستهدف الإطاحة بالملاكين الكبار و مصادرة أملاكهم لصالح الفلاحين وارساء ديكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية ، وحددوا مهمة البروليتاريا آنذاك في حمل الفلاح على التمرد على النظام وتمرينه للإستيلاء على الارض ومن هنا كانت الضرورة الملحة لتحالف البروليتاريا مع الفلاحين شريطة قيادة البروليتاريا لذلك التحالف حتى يتسنى السير بالثورة حتى النهاية. ففشل ثورتي 1848- 1871الفرنسيتين كان نتاج عدم قدرة البروليتاريا على جذب الفلاحين الى جانبها ، كما يقول إنجلز خصوصا في مجتمع يشكل فيه الفلاحون أغلبية السكان.ففي معرض حديثه عن دور حزب البروليتاريا اتجاه الفلاحين أكد انجلز ولكن يجب على هذا الحزب،لكي يظفر بالسلطة السياسية، أن يذهب بادئ ذي بدء من المدينة الى الريف، يجب عليه أن يغدوقوة في الريف 
كيف كان ينظر تروتسكي الى ثورة 1905 ؟
بعد انفصاله عن الجناح المنشفي في أواخر1904 ارتبط فكريا مع بارفوس(الا.ش.الد.الالماني) وأكد بذلك على نظرياته بخصوص الحزب /التنظيم الذي طرحه في نفس السنة في كراس تحت عنوان واجباتنا السياسية والتي أعلن فيها رفضه بشكل قا طع لمجمل نظرية لينين عن الحـزب الثوري التي نجذها بشكل واضح في كتاب ما العمل تفضي نظرية لينين الى مايلي :تحل منظمة الحزب أولا محل مجمل الحزب,ثم تحل اللجنة المركزية محل المنظمة ذاتها وأخيرا سيحل "ديكتاتور"فرد محل اللجنة المركزية " واضعا لومه على لينين بسبب " ريبته السيئة النية و الكريهة أخلاقيا"و سنعود الى هذه المسألة لاحقا (أي رؤية تروتسكي للتنظيم) . لقد حدد تروتسكي الى جانب بارفوس مضمون ثورة 1905 في شعار : "ليسقط القيصر ولتحيا الحكومة العمالية" الذي انتقده لينين بشدة في كتابه " رسائل حول التكتيك هكـذا كان تروتسكي دائما رائعا في القفز على المراحل ,الشيء الذي سيؤدي الى تحطيم الثورةعلى رأسه , لكن ذلك ليس بمهم فما يهمنا هو المعانات التي سيلقاها الشعب الروسي بعد ذلك هذه المعانات التي عاشها الشعب الفرنسي بعد فشل ثورتي 1848 -1871 نتيجة لعدم اعطاء الاهمية الضرورية للفلاحين في الثورة( أنظر بهذا الصدد مقال انجلس " المسألة الفلاحية في فرنسا و ألمانيا ") فتلك هي السمة الاولى التي تميز فكر تروتسكي وهي القفز على المراحل و الادماج الارادي للمراحل هنا نجد تروتسكي في نفس مواقع المناشفة على مستوى المضمون يقول لنين :"ان تروتسكي مثله مثل مارتوف , يخلط في كومة واحدة مراحل تاريخية متنوعة,مواجها روسيا التي تقوم بثورتها البرجوازية بأروبا التي أنجزت من زمان ثوراتها البرجوازية " كان تروتسكي يرى في سياسة البلاشفة على انها سياسة تتسم بطابع "رجعي"لانها تسعى الى اشراك الفلاحين في الحكم الى جانب البروليتاريا على اعتبار ان الملكية الصغيرة التي يمثلها الفلاحون هي قوة رجعية من وجهة نظر الاشتراكية . هكذا كان يرى تروتسكي التحـالف بين الفلاحين والبروليتـــاريا على أنه "يناقض كل مجرى التطور الاقتصادي "ليصل فيمــا بعد الى فكرة حتمية نشوب الصراع بين الفلاحين والبروليتاريا إذا ما أنجزت هذه الثورة تحت شعار البلاشفة "ديكتاتورية البروليتـاريا والفلاحين الديمقراطية".( فما أسهل الانزلاق عندما نصل الى المنحدر ) فلنين كان دائما يؤكد خلال تلك المرحلة على أن ذلك التحالف هو الكفيل ولوحده أن يزيح كل بقايا الإقطاع وبالتالي هو الذي سيساهم في التطور الاقتصادي لروسياوانه خاطئ اصلا الرأي الذي يزعم ان ديكتاتورية هاتين الطبقتين اتجاها حزبيا عاما لكنه ليس في الحقيقة سوى "اتجاها عاما معاد للحزب " ومحاولة لتكوين كتلة مستقلة الشيء الذي أكدته التجربة بعد ذلك وحيث اصبح تروتسكي أحد المدافعين والمتسترين عن تيار التصفوية . كان التصفويون يجمعون بين شعار "حرية التحالف " وشعار " ليسقط الحزب الثوري " ليسقط النضال في سبيل الجمهورية " أي تصفية حزب الطبقة العاملة الثوري غير الشرعي مع الدعوة الى عقد " مؤتمر عمالي لا حزبي من اجل تأسيس حزب عمالي شرعي " واسع " أما الإنسحابيون فكانوا " تصفويون بالمقلوبكما وصفهم لينين فقد طالبو بانسحاب النواب الإشتراكيون ــ الديمقراطيون من دوما الدولة وبوقف عمل الحزب في المنظمات الشرعية ـ العلنية ،النقابات التعاونيات ...الخ قي ظل هذا الارتداد وجد ترتسكي الفرصة سانحة تماما للانقضاض على البلاشفة بمحاولة توحيد الإنسحابيين والتصفويين وبعض الفرق الإنتهازية ذات الطابع البرجوازي في الخارج في "كتلة أغسطس"و بعد سنة ونصف تحقق تنبأ لينين بتفكك"كتلة أغسطس" وانبتق عنها اتجاهان ،الاتجاه اللونشي المنشفي ـ التصفوي والاتجاه التروتسكي الملتف حول جريدة" يوربا" التي مافتئت بعد ذلك بالصراخ عدم تكتليتها ، حول الوحدة ، لكن هل بالفعل كانت تدافع عن الوحدة ؟ كلا ، فقد كانت تطرح الوحدة مع التصفويين والإنسحابيين الذين تم طردهم من الحزب عند انعقاد المجلس العام السادس لعامة روسيا ـ الذي شكل من الناحية التنظيمية حزب البلاشفة المستقل ـ بل الأدهى من ذلك فقد رفض تروتسكي وجهة نظر النصفوي لارين الذي كان يقترح الوحدة في شكل الفيدرايبون (الاتحاد ) بالشكل الذي تتساوى فيه الحقوق بين اغلبية العمال الواعين والكتل التصفوية الصغيرة واقترح ضرورة التمازج بين الكل على "على اساس القرارات التكتيكية المشتركة " ذلك موقف تروتسكي في تلك المرحلة الدقيقة ،الدفاع عن مخربي حزب الطبقة العاملة وقد كتب لينين في تقييمه لتلك المحطة : "إن الوحدة شيء عظيم وشعار عظيم ، لكن قضية العمال بحاجة الى وحدة ماركسيين وليس الى وحدة ماركسيين مع خصوم الماركسية ومشوهيها " . وفي تلك الفترة بالضبط في سنة 1914 نشب صراع حاد بين البلاشفة والتصفويين حول الفقرة التاسعة من برنامج الحزب الخاصة بحق الأمم في تقرير مصيرها . فاعتبر تروتسكي ذلك الصراع بمثابة فرصة سانحة من اجل تسعير الاختلافات بين خصوم تيار التصفوية من روس وبولونيين لاجل تدعيم موقف التصفويين ضد البلاشفة وقد كتب لينين ناعتا تروتسكي على ذلك الموقف "إن تروتسكي المخلص لأشد خطرا من العدو! " واواقع أن تروتسكي لم يكن يعترف بحق الأمم في تقرير مصيرها الا شفاهيا فلم يكن يحرك ساكنا من أجل الدفاع عن حرية الأمم التي تضطهدها روسيا والدي اعتبره لينين جوهر التحريض في تلك الفترة : والآن لا يزال الإشتراكيون ـ الإمبرياليون السافرون من نوع لينين، يرفعون الصوت علنا ضد حرية تقرير المصير وضد انكار الإلحاق على السواء .اما الكاوتسكيون فهم يقرون ونفاقا بحرية تقرير المصير ،كما يفعل تروتسكي ومارتوف عندنا في روسيا ، فكلاهما يؤيد بالأقوال حرية تقرير المصير مثل كاوتسكي ، لكن ما هو موقفهما في الواقع ؟ خدوا مقالات تروتسكي " الأمة والإقتصاد "تلمسوا اختياريته العادية فهو يقول من جهة أن الإقتصاد يوحد الأمم ويدمج بعضها في بعض ويقول من جهة اخرى أن الاضطهاد القومي يفرق اللأمم بعضها عن بعض . فما الخلاصة ؟ الخلاصة هي أن النفاق السائد لما يكشف القناع عنه وأن العمل التحريضي ما يزال جامدا لا حياة لأنه لا يمس الشيء الرئيسي الجوهري الأساسي القريب من التطبيق العملي ونعني به موقف المرء من الأمة التي تضطهدها " امته " ." وهكذا "مهما كانت نوايا تروتسكي ومارتوف الذاتية الطيبة فإنهمــا، موضوعيا ،يؤيدان الإشتراكية ـ الإمبريالية الروسية بمراوغتهما وموقفهمــا الغامضثورة1917 ثورة فبراير – مارس
استطاع البلاشفة تحت قيادة لينين في فبراير 1917 من دفع عجلة الثورة الى الأمام واسقاط القيصرية فحلت محل حكومة الملاكين العقاريين حكومة ليبرالية موالية للبورجوازية الإمبريالية تحت زعامة حزب الكاديت وقدا اعتبر لينين هذه الثورة طور الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من الثورةفجوهر المرحلة الأولى يكمن في انتقال السلطة من طبقة الملاكين العقاريين إلى طبقة البرجوازية "إن انتقال سلطة الدولة من طبقة إلى أخرى هو الدليل الأول الرئيسي الجوهري على الثورة سواء بمعنى الكلمة العلمي الدقيق أو بمعناها السياسي العملي " وهكذا كان لزاما على الحزب البلشفي ان يحدد المهام الجديدة التي تتوافق والواقع الموضوعي الجديد ، و في الرابع من نيسان قدم لينين موضوعات نيسان حيث ثم خلالها تغيير شعار ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية " بشعار اخر"ديكتاتورية البروليتاريا المستندة الى الفلاحين" وقد اتارت هذه الموضوعات غضب و إحتجاج مجموعة من البلاشفة أنفسهم والذين قال عنهم لينين " إن من لا يتحدث اليوم إلا عن " ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية يتأخر عن موكب الحياة ،ينتقل عمليا الى البورجوازية الصغيرة ضد النضال البروليتاري الطبقي ويستحق نبده الى أرشيف" التحف البلشفبة ما قبل الثورة أو قد يمكن القول الى أرشيف البلاشفة القدامى ." لنرتبط بالموضوع المتناول بين أيدينا ولنطرح التساؤل التالي :هل كان بالفعل تغيير الشعار السياسي من طرف لينين منسجما مع " الثورة الدائمة كما ادعى تروتسكي ؟ فكما هو معلوم أن تروتسكي حاول مرارا وتكرارا أن يجد لنظرية " ثورته الدائمة " مكانا ما في الفكر اللينيني،فطانت موضوعات نيسان بمثابة المفتاح السحري ليمرر نظريته تحت راية اللينينية خصوصا بعدما أثبتت هاته الأخيرة على قوتها وقدرتها في قراءة الواقع والإجابة عليه .وهكذا نجده يطرح في كتابه "الخط الجديد" :" أما فيما يخص نظرية الثورة الدائمة فإنني لا أرى من داع لتعديل أي شيء مما كتبته عن هذا الموضوع بين 1904 ـ 1906 وفيما بعد أنني لا أزال على رأيي بأن الأفكار التي عرضتها آنذاك في مجملها أقرب بكثير الى محتوى اللينينية الفعلي مما كان يكتبه عدد من البلاشفة ... ولقد تعني هذه النظرية بالنسبة الى روسيا : أن م ا نحن بحاجة اليه ليس الجمهورية البرجوازية ولا حتى الديكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا وللطبقة الفلاحية ، و انما الحكومة العمالية المدعومة من قبل الطبقة الفلاحية والمدشنة لعصر الثورة الإشتراكية الأممية ... وما كانت كتاباتي في تلك المرحلة تنطوي على أي محاولة للقفز فوق الطبقة الفلاحيــة " وكانت نظرية "الثورة الدائمة " تقود مباشرة الى اللينينية ولاسيما الى أطروحات نيسان 1917 " .ونجد نفس المحولة والموقف في رسالة وجهها اولمنسكي » إنني ابعد ما أكون عن الاعتقاد بأنني كنت على خطأ على طول الخط مناقشاتي مع البلاشفة ... وإنني على يقين بأن تقييمي للقوى المحركة للثورة كان صحيحا مطلق الصحة وما يزال بإمكاني الى الآن بلا مشقة أن أقسم الى قسمين مقالاتي الجدلية التي كتبتها سابقا ضد المناشفة والبلاشفة : فبعضهــا مكرس لتحليل قوى الثـورة الداخلية ومنظوراتها...وبعضها الآخر مكرس لتقييم أجنحة الاشتراكية الديمقراطية الروسية وصراعاتها... وما يزال بوسعي الى اليوم أن أنشر مقالات الجزء الأول من دون أن أبدل فيها شيأ لأنها تتطابق تماما مع وجهات نظر حزبنا إبتداءا من عام 1917 « . لنرى إذن هل بالفعل كان تروتسكي محقا في كتاباته هاته ؟ أم هي محاولة خسيسة لقرصنة اللينينية وتجريدها من كل ما تزخر به من الجدل الماركسي الثوري ؟ ولأجل ذلك يجب أولا توضيح قراءة لينين لواقع الثورة الروسية والذي أفضى إلى تغيير الشعار التكتيكي (( إن الماركسية تطلب منا أن نأخذ بالحسبان على أدق وجه وبصورة يمكن معها التثبت من صحته موضوعيا النسبة بين الطبقات والخصائص الملموسة في كل حقبة تاريخية محددة ))تلك هي الجملة التي كان دائما يرددها لينين ويلح عليها وعلى تطبيقها قبل رفع أي شعار سياسي فصيغة » ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية «ليست سوى تعبيرا دقيقا ينص على نسبة القوى بين الطبقات ، وتحدد المهمة التالية : محل السيادة البرجوازية يجب أن تحل سيادة البروليتاريا والفلاحين .إلا أن واقع الصراع الطبقي في روسيا قد أسفر عن تمازج تلك السيادتين .ف» سوفييت نواب العمال والفلاحين والجنود هو بالضبط » ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية « وقد اثبت الواقع الحي نقطة جوهرية وأساسية لا يجب إغفالها تماما ألا وهي التناول الإرادي والحر لهاته الديكتاتورية عن السلطة البورجوازية وأن الفلاحين يتجهون بشكل قوي نحو التعاون الطبقي مع البورجوازية وهـذا الواقع الجديد طرح مهمة جديدة في جدول اعمـال الثورة وهي الفصل في قلب هذه الديكتاتورية بين العناصر الشيوعية ، البرو ليتاريا وبين العناصر البورجوازية الصغيرة خصوصا اذا علمنا أن هذه الاخيرة قد انعطفت نحو الشوفينية وبالتالي نحو المساندة الفعلية للبورجوازية الإمبريالية لذلك بالضبط وجب تغيير الشعار الى شعار ديكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين وقد كتب لينين في سنة 1917 موضحا خطر الشعارات التي صاغها تروتسكي سنة 1905 "الا نتعرض لخطر الوقوع في الذاتية ،في رغبة القفز من فوق الثورة البورجوازية ـ الديمقراطية، غير المنتهية ـ والتي ما زالت مشوبة بميزات حركة الفلاحين ـ إلى الثورة الاشتراكية ؟ لو قلت لا نريد قيصر، نريد حكومة عمال " لتعرضت لهذا الخطر ولكني لم أقل هذا، إنما قلت شيئا آخر قلت أنه ايمكن أن يكون ثمة حكومة في روسيا باستثناء الحكومة البورجوازية ، غير سوفيتات نواب العمال والأجراء الزراعيين والجنود والفلاحين " .فالصراع الطبقي آنذاك لم يصل إلى مرحلة وجب خلالها رفع شعار " الثورة الإشتراكية " لأن الثورة الزراعية لم تنته بعد وبالتالي وجب استخدام القوى الثورية للفلاحين لتمهيـد المرور إلى الاشتراكية وهكذا يتضح بشكل جلي أن لينين لم ينظر للفلاحين وكأنهم قبليا أعداء للطبقة العاملة وإنما كحلفاء موضوعيين ممكنين وجب على الطبقة العاملة توجيههم والسير بهم حتى يصبحوا قوة ثورية ذات وزن حاسم في النضال من أجل الاشتراكية "أنا لا أقول ليسقط القيصر لتحيا الحكومة العمالية ! بل أقول : لدينا سوفيتات بورجوازية صغيرة . أنا لا أقول: الاشتراكية حالا ، بل أقول : إن هذا الأجراء أو ذاك يوفر مكاسب للفـلاح و يسدد في الوقت نفسه ضربة للملكية " .ما بعد الثورة :لقـد كانت الدولة السوفيتية بعد انتصار ثورة أكتوبر العظمى تعاني من المشاكل الاقتصادية والسياسية فمن الجوع و قلة المحاصيل وصولا إلى تهديد الثورة المضادة الزاحفة وهجوم الإمبريالية الألمانية كان أي خطأ سياسي تكتيكي يعني انفجار البركان وبالتالي موت الثورة الفتية ففي اليوم الثاني من إقامة السلطة السوفييتية ، أقر مؤتمر السوفييتات الثاني لعامة روسيا مرسومين أساسيين مرسوم الأرض الذي صفيت بموجبه الملكية الإقطاعية وألغيت الملكية الخاصة للأرض كما تمت بموجبه إحالة الأرض كلهـا إلى الفلاحين ، وقد اشتمل مرسوم الأرض على "التوصية الفلاحة بصدد الأرض والتي اقترحت إقرار شعار الاشتراكيين ـ الثــوريين القائلبالانتفاع المتساوي للأرض على أساس العمل وقد صرح لينين في تفسير الأسباب التي دفعت البلاشفة إلى قبول هذا الشعار مع أنهم كانوا ضده من قبل :" نحن كحكومة ديمقراطية ،لا يسعنا أن نتجاهل قرار الفئات الشعبية الدنيا رغم أننا لسنا موافقين عليه ... ففي نار الحياة سيدرك الفلاحون أنفسهم أين هي الحقيقة بتطبيقه عمليا ، بتطبيقه في مطامحهم وبالإضافة إلى مرسوم الأرض وفي نفس المحطة تم إصدار مرسوم آخر هو مرسوم الفلاح الذي تقدم من شعوب وحكومات جميع البلدان المتحاربة بإقتراح عقد هدنة على الفور والشروع بمفاوضات الصلح وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة السوفييتية أنها لا تتقدم بشروطها بشكل نهائي قاطع وإنها مستعدة للبحث في أي شروط أخرى للصلح تتقدم بها أي من الدول المتحاربة .لكن لم ترد أي من الدول الامبريالية المتحاربة على نداء الحكومة السوفييتية .إلا أنه في دجنبر 1917 بدأت فيبريست ليستوفيك مفاوضات مع الحكومة الألمانية لأجل عقد الصلح ، فوقف الاشتراكيون ـ الثـوريون وكذلك فريق من" الشيوعيين اليساريين " برئاسة بوخارين ضد المفاوضات وطالبو بأن تخوض روسيا السوفييتية الحرب الثورية ضد ألمانيا ،وحين كان تروتسكي في المرحلة الثانية من مفاوضات الصلح رئيس الوفد السوفييتية لن توقع الصلح .وأعلن أن روسيا السوفييتية لن توقع الصلح وأنها توقف الحرب وتسرح الجيش وهكذا انتقلت ألمانيا إلى الهجوم مما أدى إلى توقيع الصلح وأنها فيما بعد كما تنبا لينين بشروط أشق . وفي 24 يناير 1918 اتخذ مكتب بمقاطعة موسكو الذي كان يرأسه تروتسكي قرارا بحجب الثقة عن اللجنة المركزية ورفض الخضوع لقراراتها " التي سترتبط اسماهم ب " العناصر الانتهازية المعتدلة داخل الحزب " . والأدهى من ذلك هو ما جاء في النص التفسيري لذلك القرار: وفي مصلحة الثورة العالمية ،نعتبر من العقلاني القبول باحتمال خسارة السلطة السوفييتية التي تغدو الآن شكلية بحتا " . وقد أوضح لينين جوهر هذه المواقف في مقالة رائعة تحمل عنوان »غريب وفظيع « ، جاء فيها أنه إذ ا كان من مصلحة الثورة العالمية تحريم إي صلح كان مع الإمبرياليين فمن وجهة نظر مثل هذه الآراء لا يمكن للجمهورية الاشتراكية في وسط الإمبريالية أن تعقد أي معاهدات اقتصادية ، لا يمكن لها أن توجد إن لم تطر الى القمر .وإذا كانت مصلحة الثورة تتطلب دفعها فإن نظرية كهذه تقطع كل صلة بالماركسية التي أنكرت دائما » دفع « الثورات لأن هذه الأخيرة تتطور وتتنامى بقدر ما تتفاقم التناقضات الطبقية التي تولد الثــورات . وفي ذلك الزمن زمن صلح » بريست« ليتوفيسك حدد أيضا موقفا دقيقا بصدد الاختيارات الإستراتيجية للثورة وللحزب البلشفي فقد ربط إمكانية انتصار الثورة في بلد واحد و إمكانية انتصارها في مجموعة من البلدان .... ولنصل الآن إلى محطة أساسية أخرى من الصراع الذي عرفه الحزب البلشفي بين تروتسكي ولينين والتي ميزت بدابة العشرينات ونقصد بها النقاشات الصاخبة حول النقابات ودورها والتي كشفت عن النزعة العسكرية لتروتسكي في إدارة مؤسسات الدولة ،فخلال المؤتمر العاشر للحزب تقدم تروتسكي ب "كراس ـ منهج " تحت عنوان " دور النقابات ومهامها " اقترف من خلاله تروتسكي مجموعة من الأخطاء النظرية والسياسية.فعلى المستوى السياسي كان كراسه بمثابة الإعلان عن تأسيس كتلة داخل الحزب وبالتالي توفير الأرضية لخلق وضع التكتلات داخل الحزب والمنضمات العمالية الشيء الذي سيؤدي لا محالة إلى خلق واقع الانشقاقات والذي حصل بالفعل في "التسيكتران" ( اللجنة المركزية للنقابة المتحدة للنقليات الحديدية والمائية )، بعد أن طبق أنصار تروتسكي المستلمون زمام القيادة بها ،الطرائق العسكرية، الإدارية التي نادى بها تروتسكي في كراسه السابق الذكر ،وقد أوضح لينين في ذالك الحين الخطر السياسي من الانشقاق بقوله واضح أن الانشقاق في وسط البروليتاريا او بين الحزب البروليتاري وجمهور البروليتاريا في بلد تقوم فيه ديكتاتورية البروليتاريا ليس خطرا وحسب ، بل فادح الخطر أيضا ... والحال تعني الانشقاقات في الحركة النقابية ، انشقاقات في جمهور البروليتاريا بالذات " .ومن بين ما أسفر عليه ذالك النقاش الواسع " إن كل من تروتسكي و بوخارين أوضحا 1ـ تناسيا للماركسية تجلى في تعريف اختيـاري غير صحيح نظريا للعلاقة بين الاقتصاد والسياسة ،2ـ دفاعا او تسترا عن ذالك الخطأ السياسي الذي تجلى في سياسة النفض الذي تشرب بها كل "الكراس ـ المنهج " الذي وضعه تروتسكي ،وهذا الخطأ يؤدي إلى سقوط البروليتاريا إذا لم تدركه وتصلحه ،3ـ خطوة الى الوراء في ميدان القضايا الإنتاجية ، الاقتصادية الصرف المتعلقة بكيفية زيادة الإنتاج..." فإذا كان تروتسكي يدعو إلى تدويل النقابات وبذلك يكشف على نزعة بيروقراطية فإن لينين عارض بشدة تلك الدعوة الى التدويل والح على منح النقابات الحق في الدفاع عن العمال ضد الدولة السوفياتية ، باعتبارها دولة عمالية لكن تتسم بسمتين أساسيتين لا يجب إطلاقا إغفالهما .
1
ـ أن الفلاحين لا العمال يؤلفون غالبية السكان.
2
ـ انها عمالية مشوهة بيروقراطيا.و هاته السمات دفعت لينين الى القول " إن الرفيق تروتسكي يتحدث عن الدولة العمالية ،اسمحوا لي أن أقول لكم إن هذا تجريد ...إن دولتنا بوضعها الراهن توجب على البروليتاريا المنظمة أن تدافع عن نفسها وأن تستخدم المنظمات العمالية للدفاع عن العمال ضد الدولة ولدفاع العمال عن دولتنا ". إذن بعد هذا التوضيح الوجيز جدا للأخطاء النظرية والسياسية التي اقترفها تروتسكي والتي توضح بجـــلاء الابتعاد الكلي عن الفكر اللينيني ،تطرح تساؤلا جوهريا كيف نتعامل مع هذا "الفكر"؟ لنستشهد من اجل الإجابة على هذا السؤال بداية بقول تروتسكي نفسه " إن الواقع لا يغفر غلطة نظرية واحدةفهل نطلب من الواقع أن يغفر لتروتسكي على تلك الكومة الفظيعة من الأخطاء النظرية ؟ مهما طالبنا فالواقع لن يجيب ولن يلبي ،ونحن غير ملزمين بالمطالبة ولكننا ملزمين بخوض الصراع ضد هذه » النظرية « التي دحضهـــا لينين منذ ولادتها . اولا لإيماننا بسدادة النظرية الماركسية ـ اللينينية في قدرتها على قراءة الواقع بشكل علمي والإجابة عليه بشكل دقيق ،ثانيا للدفاع عن شعار الماركسيين ـ اللينينين المغاربة شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية "كشعار سياسي دقيق للمرحلة التي يجتازها المغرب على اعتبار أن التناقضات الرئيسية بالمغرب لم تدخل بعد مرحلة تستدعي رفع شعار "الثورة الاشتراكية التي يتغنى بها أنصار التروتسكية الذين يعتبرون المغرب بلدا رأسماليا كباقي بلدان أوربا ، شأنه في ذلك شأن باقي دول"العالم الثالث" وهنا ندرج قول لينين للرد على هذه السخافة "إنه لمن المضحك والرجعي مجرد القبول بأن واقع روسيا القيصرية هو نفسه واقع البلدان الأوربية "وعلى العموم إذا كان هذا العرض يهدف الى تحقيق نقطة وحيدة أي نزع القناع عن التروتسكية من خلال توضيح قراءات و تقييم كل من لينين وتروتسكي لأطوار ومراحل الثورة بروسيا وتبيان الاختلاف الجوهري بينهما ،فإن هاته النقطة لن تكون إلا مقدمة أولية وضرورية لطرح النقاش حول الأسس النظرية للتروتسكية كنظرية منفصلة تماما عن اللينينية ، وسنعمل على أن يكون الجزء الثاني من هذا العرض هدفا لتلك المهمة ولو في خطوطها العامة .فاس: 1999، مناضل قاعدي 
مرسل من قبل
الهوامش
مقال كتب سنة 1999 من طرف أحد المناضلين القاعديين بموقع فاس .
ـ لينين " مرض اليسارية الطفولي في الشيوعيةـ لينين"حول السياسة القومية و الاممية البروليتاريةـ إنجلز " مسألة الفلاحين في ألمانيا وفرنساـ لينين "المغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسياـ نفس المرجع 
ـ إنجلز " مسألة الفلاحين في ألمانيا وفرنساـ تروتسكي "نتائج وتوقعاتـ تروتسكي "الكفاح من أجل السلطةـ لينين "ما العملـ تروتسكي " الانتلجنسيا والاشتراكيةـ لينين "المغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسياـ لينين"ما العملـ لينين"حول الوحدةـ لينين"حول السياسة القومية و الاممية البروليتاريةـ لينين"حول السياسة القومية و الاممية البروليتاريةـ لينين "رسائل حول التكتيكـ نفس المرجع 
ـ مرجع سابق 
ـ مرجع سابق 
ـ لينين "رسائل حول التكتيكـ نفس المرجع 
ـ نفس المرجع 
ـ لينين "عن النقاباتـ نفس المرجع 
ـ نفس المرجع 
ـ تروتسكي "من مقدمة الاشتراكية في بلد واحدـ لينين " بصدد مسائل القومية و السياسة الاممية

سميرأبو رحال

mercredi 14 décembre 2011

الرفيق مجيد كافوسيفار

إسمي هو مجيد كافوسيفار , إيــــرانيّ الجنسيّة 
لـم أنتظر أحدا في هذا العالم ليعطيني حقّي ...
لم أرضى يومًا بالظّلم ...
لم أرضى أن تستحوذ بنوك إيران الحكومية على جميع أموال النفط فيما ثمانون بالمئة من أبناء شعبي يعيشون تحت خط الفقر ...
لم أرضى أن تمنح كل القروض إلى رجال النظام و رجال الدّين فيما خمسة و ثمانون بالمئة من شباب بلادي عاطلون عن العمل ...
لم ارضى بالذل و المهانة ... نعم , إنضم لي إبن عمي حُسين و رفاق آخرون و رفعنا السلاح و لا نخجل ... لكي نفتكّ حصّتنا من أموال البترول , هذه الأموال التي كان من المفروض أن تذهب في خدمة الشعب و ليس لمضاعفة ثروات الملالي و الأئمة

أردنا أن القضاء على الفاسدين و اللّصوص و قتلنا قاضٍ من قضاة المحاكم الظالمة ...
قُبض علينا و حوكمنا بتهم الإرهاب و التخريب و العمالة لامريكا ...
تجاوزت قضيتنا نطاق الجريمة , بل اصبحت قضية راي عام و إنتقل خطابنا الثّوري إلى فئة كبيرة من شباب إيران المتمرّد و اليائس ...
بكل فخر , لقد اربكنا النظام الدّيني القائم ... و لمّا أحسّ بالخطر ... حُكم علي بالإعدام شنقًا ... وواجهت الموت والإبتسامة تعلو محياي

dimanche 11 décembre 2011

الشيوعية ليست إلحادا.....بقلم أم الزين بن شيخة

موقع حزب العمال الشيوعي التونسي,...
هذا المقال يهدف الى رفع سوء فهم يعاني منه التلقي السائد للشيوعية في البلاد العربية ..وهو سوء فهم سرعان ما تحول الى اساءة 
و حيف نكتفي بمحاولة بيان علتهما. يتعلق الأمر بالوصل الدغمائي بين الشيوعية و الالحاد. لكن ليس في عملية الوصل هذه أيّ شكل من البراءة اللغوية أو المنطقية أو السياسية.انما في الأمر مؤامرة خطيرة ضدّ التصور الشيوعي للعالم .وهي مؤامرة نسجت خيوطها بكل مكر جهات مسيحية في الغرب ومن ورائها كل الترسانة الرأسمالية ،و جهات أصولية اسلاموية و قومية في البلاد العربية مناصفة مع الأنظمة الدكتاتورية التي تدعمها مصالح البرجوازية الليبرالية ..

ماذا يعني أن يكون المرء شيوعيا في بلاد عربية اسلامية؟ و أي شكل من الانفصال أو الاتصال بين الشيوعية و الالحاد؟ - طبعا الكل يعلم جيدا أن الشكل الأيسر لمحاربة الشيوعية في مجتمع ديني هو تهمة الالحاد ..لكن هذا الأسلوب ليس سوى أضعف انفعالات العقل لدينا ..ذلك أن امكانية تبكيت هذه الحجة و هزمها يقابلها من جهة مماثلة إمكانية التشكيك في الدين باتهامه بالارهاب و اللاانسانية..

لكن ليست تهمة الالحاد هذه هي الطريقة الوحيدة للتهجم على الشيوعية ..انما مثلت الأنظمة الاستبدادية أيضا تنكيلا بها لا مثيل له .حيث يتعارض الاستبداد القائم على الانفراد بالمُلك و بالملكية مع مبادئ التوزيع العادل للثروات وربما القضاء على جهاز الدولة نفسه بما هو جهاز قمع في جوهره.

ما هي الشيوعية؟

دعنا نلخصها في ثلاث أفكار كبرى:

1)هي نظرية سياسية تجد مصدرها في كتابات ماركس و انغلز خاصة ضمن بيان الحزب الشيوعي 1848، وقد أرادها مؤسسوها بديلا سياسيا عن النظام الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج.

2)لذلك تقوم الشيوعية على تنظيم اقتصادي لا مكان فيه للملكية الخاصة لوسائل الانتاج و تهدف الى توزيع عادل للخيرات بين البشر و الى القضاء على التفاوت الطبقي بينهم.

3)الشيوعية هي النتيجة النهائية لنمو تاريخي للمجتمع الانساني من العبودية الى الاقطاعية الى الرأسمالية..وهو تاريخ قائم على االتفاوت بين طبقتين طبقة تملك وسائل الانتاج و أخرى لا تملك غير قوة العمل ..و يقترح ماركس الشيوعية حلاّ لمشكلة المساواة بين الناس و القضاء على المجتمعات الطبقية..و ذلك لا يتم الا بثورة الطبقة الكادحة التي لا تملك غير جهدها اليومي ضد طبقة البذخ و الثراء الفاحش ..

ما هو الالحاد؟

هو عدم اعتقاد المرء في وجود أي قوة خارقة مهما كان نوعها و شكلها : أصنام الوثنيين أو الاه التوحيديين ..و تعود ولادة اللفظ الى اللغة اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد ..و لا علاقة حينئذ للالحاد بشيوعية ماركس التي لم تظهر الاّ في القرن التاسع عشر..و نعلم جيدا أن الذاكرة العربية زاخرة بتاريخ كامل في الالحاد العربي الاسلامي من أبي جهل و أبي لهب الى القرامطة وبعض الفلاسفة الذين نسبت اليهم تهمة الزندقة ..أما ماركس فلم ينشغل بالدين من جهة الالحاد أو الايمان و لم تكن مسألة وجود الاله أو عدمه تدخل في خطّته الفكرية أو السياسية مباشرة. ذلك أن مشكلة التصور الشيوعي للعالم هي تحديدا القضاء على التفاوت الطبقي و تحقيق المساواة بين الناس عن طريق اعادة توزيع الخيرات بينهم توزيعا عادلا .أما عن مسألة التدين و الالحاد فيعتبرها ماركس "مسألة شخصية "لا علاقة لها مباشرة بالسياسة الكبرى للبنى الاقتصادية في المجتمع. و ان أهم ما نظفر به من التصور الماركسي للدين هو اعتبار ماركس الدين نتاجا لبؤس اجتماعي تعيشه الطبقة الكادحة التي لم تجد من حلّ آخر لوضعيتها المادية البائسة غير الاعتقاد في عالم آخر بوسعه أن يكون أرحم و أجمل من الدولة الرأسمالية التي تحولت الى جهاز قمع للبشر و سحق لامكانيات العيش العادل و الكريم بينهم .و بدلا عن الثورة من أجل تغيير العالم يكتفي المتدين بالاعتقاد في آخرة بعد الموت ..لكن ماركس لم يحارب الدين و اكتفى بتنزيله ضمن ما يسميه بالايديولوجيا أي منظومة القيم و المعتقدات التي ينتجها مجتمع ما كانعكاس نفسي وقانوني وسياسي للبنى التحتية الاقتصادية و المادية الخاصة به.

الشيوعية و الاسلام :

في نص كتبه لينين بتاريخ 24 نوفمبر 1917 نعثر على موقف طريف و غير مسبوق من الاسلام و المسلمين:

"أيها المسلمون بروسيا و سيبيريا و تركستان ..يا من هدم القياصرة مساجدهم و عبث الطغاة بمعتقداتهم ..ان معتقداتكم و عاداتكم و مؤسساتكم القومية و الثقافية صارت اليوم حرّة مقدسة..نظّموا حياتكم القومية بكامل الحرية ..فهي حق لكم، و اعلموا أن الثورة العظيمة و سوفياتات العمال و الجنود و الفلاحين تحمي حقوقكم و حقوق كل شعوب روسيا.."و يضيف "..لقد أُعيدت الآثار و الكتب الاسلامية المقدسة التي نهبتها القيصرية الى المساجد ..و قد تمّ تسليم القرآن الكريم المعروف بقرآن عثمان في احتفال مهيب الى المجلس الاسلامي في بيتروغراد في 25 ديسمبر 1917 ، و قد أُعلن يوم الجمعة ، يوم الاحتفال الديني بالنسبة للمسلمين ، يوم الاجازة الرسمية في كل آسيا الوسطى."

هذا النص الذي لا يشبه أيّ نص آخر تنهزم على يديه كل التهم التي تأتي الى الشيوعية من جهة الالحاد ..رُبّ تُهم لا يسعد بها غير أصحاب العقول الكسولة

أولئك الذين يقتاتون آراءهم من التناقضات العقيمة بين الايمان و الالحاد دون أن يدركوا أن الالحاد نفسه شكل مغاير من الايمان ..و أن الالحاد ليس سوى انفعال سالب و تعيس للعدميين الذين لا تشغلهم هموم الكادحين و المعطلين عن العمل و الذين تتأجّل الحياة في بيوتهم باستمرار.

من هو الشيوعي الحقيقي؟ أو أي شكل من الشيوعية نحتاجها اليوم في البلاد العربية التي تعيش في حالة مسارات ثورية كثيفة الأبعاد ؟ - دعونا نجيب على نحو مؤقت بما يلي: أن الشيوعي الحقيقي هو الذي ينجح في تجاوز التناقض الهزيل بين الايمان و الالحاد وهو تناقض لا ينفع غير الدغمائية السياسية التي تختزل النقاش في المعركة بين الحرية و الهوية و بين الليبيراليين و الجماعويين ..في نفس الوقت الذي يزداد فيه جوع البائسين و أموال المترفين ..

علينا الذهاب بالشيوعية فيما أبعد من الكفر و الايمان ..ما يهمنا هو المساواة في حظوظ العيش العادل و الكريم و ما تبقى هو مجال شاسع لحرية القيم و المعتقدات و الطقوس ..لكن شريطة أن يحترم الجميع حق الاختلاف ..حق المؤمن في أن يؤمن و حق الملحد في أن يُلحد..

ثمّة الكثير من البشر في العالم مُلحدين قبل ماركس ..و ذاكرتنا العربية الاسلامية تزخر بالملحدين ..و لا علاقة لهؤلاء بشيوعية ماركس ..

و ثمّة فوضويون و عدميون ملحدون لا علاقة لهم بالشيوعية ..و ثمّة مستهترون بكل دين لكنهم لا يعرفون أي شيء عن الشيوعية ..و ثمة في مقابل كل ذلك شيوعيون متخلقون يحترمون أخلاق غيرهم و معتقداتهم أكثر من بعض المتدينين أنفسهم..و ثمة أيضا الكثير من الحكام العرب هم مسلمون لكنهم مستبدون و فاسقون و دجاّلون ..

خاتمة :

اكتفينا بما يكفي من فكر الدائرة المفرغة و الصدام العقيم بين أن نؤمن و أن نلحد و أن نصلي و أن نغني وأن نغطّي و أن نُعرّي..آن الأوان لأن يستيقظ الفكر السياسي الحر في بلادنا من معاركه اليديولوجية و أن يشتغل على القضايا الحقيقية و الحارقة .. فإنّ ضجيج الأحزاب المختصمة على شرعية المسجد أو الخمارة هو أيضا أحد أشكال الالتفاف على الثورة و الارتداد بنا الى نقاش انتهى بانتهاء عصر اليديولوجيات..

ليست الشيوعية اضطهادا لأي دين، إنما هي إنصاف للشعب بكل فئاته، ومقدساته، وذاكرته وطقوسه وتراثه وكل إمكانيات العيش الكريم بلا فقر ولا فقراء. إنّ الشعب مقولة رحبة للجميع، تتسع لمن يصلي كما تتسع لمن يغني

كارل ماركس







كارل ماركس

الماركسية والدين




ٌإن من شأن قراءة متأنية لمجمل فقرة ماركس التي يظهر فيها تعبير " الدين أفيون الشعوب " أن تبين أن كاتبها أكثر إدراكا لدرجات الألوان مما هو شائع عنه .فهو يأخذ في اعتباره الطابع المزدوج للدين : "إن الهم الديني هو في الوقت نفسه تعبير عن هم واقعي واحتجاج علي هم واقعي . إن الدين هو آهة الخليقة المضطهدة ، هو قلب عالم لا قلب له ، مثلما هو روح وضع بلا روح . إنه أفيون الشعب " .
ينظر معظم مؤيدي الماركسية وخصومها إلى عبارة" الدين أفيون الشعوب " الشهيرة علي إنها خلاصة المفهوم الماركسي عن الظاهرة الدينية . علي أننا يجب أن نتذكر بادئ ذي بدء أن هذا التعبير ليس ماركسيا بشكل خاص ، فالعبارة نفسها يمكننا العثور عليها ، في سياقات مختلفة ، في كتابات كانط وهيردر وفيورباخ وبرونو باور وهاينريش هاينه......
وإذا ما قرأنا مجمل البحث الذي ترد فيه هذه الفقرة - والذي يحمل عنوان " نحو نقد لفلسفة الحق الهيجلية " والمكتوب في عام 1844 - فسوف يتكشف لنا بوضوح أن رأى ماركس يدين للهيجلية الجديدة اليسارية ، التي اعتبرت الدين اغترابا للجوهر الإنساني ، بأكثر مما يدين لفلسفة التنوير التي ترجع إلي القرن الثامن عشر والتي أدانت الدين بوصفه مؤامرة إكليركية لا أكثر ولا اقل .
والواقع أن ماركس عندما كتب الفقرة الأنفة كان لا يزال تلميذا لفيورباخ، هيج يليا جديدا .ومن ثم فإن تحليله للدين كان " قبل ماركسي " لا يتميز بأية إحالة طبقية علي انه مع ذلك جدليا لأنه قد استوعب الطابع المتناقض للظاهرة الدينية : فهي في بعض الأحيان تمثل إضفاء للشرعية علي المجتمع القائم وهي في بعض الأحيان تمثل احتجاجا عليه . ولم تبدأ الدراسة الماركسية المحددة للدين بوصفه علاقة اجتماعية وتاريخية إلا فيما بعد - خاصة مع مخطوط " الأيديولوجية الألمانية ( 1846) .
وقد تضمنت تلك الدراسة تحليلا للدين بوصفه أحد الأشكال الكثيرة للإيديولوجية ، الإنتاج الروحي لشعب ما ،إنتاج الأفكار والتمثيلات والوعي - والتي تعتبر كلها بالضرورة مشروطة بالإنتاج المادي والعلاقات الاجتماعية المتناسبة معه ، علي أن ماركس ، منذ تلك اللحظة فصاعدا ، لم يول اهتماما كبيرا للدين بصفته هذه ، أي بصفته كونا ثقافيا /أيديولوجيا نوعيا للمعني .
..... وانجلز أبدي فرديريك اهتماما بالظاهرة الدينية وبدورها التاريخي يفوق اهتمام ماركس بهما بكثير . وتتمثل مساهمة انجلز الرئيسية التي قدمها إلى الدراسة الماركسية للأديان في تحليله لعلاقة التمثيلات الدينية بالصراع الطبقي .
وفيما وراء المناظرة الفلسفية ( المادية ضد المثالية ) حاول فهم وتفسير التجليات الاجتماعية الملموسة للأديان . فالمسيحية لم تبدو في نظره ( مثلما كانت تبدو في نظر فيورباخ ) بوصفها 
"جوهرا " منفصلا عن الزمن ، بل هي تبدو بوصفها شكلا ثقافيا يتعرض لتحولات في العصور التاريخية المختلفة : فهي تبدو في البداية بوصفها ديانة للعبيد ، ثم بوصفها أيديولوجية ملائمة للهيراركية الإقطاعية واخيرا بوصفها أيديولوجية تتميز بالتكيف مع المجتمع البورجوازي .
وهي تظهر من ثم بوصفها فضاء رمزيا تتنازع عليه قوي اجتماعية متناحرة :
اللاهوت الإقطاعي والبروتستانتية والبورجوازية والهرطقات الشعبية . وفي بعض الأحيان كان تحليله يزل في اتجاه تفسير نفعي ، ذرائعي ، بشكل ضيق للحركات الدينية : ".... وان كل طبقة من الطبقات المختلفة تستخدم الدين الملائم لها ... ولا أهمية تذكر لما إذا كان هؤلاء السادة يؤمنون بالأديان التي يتبناها كل منهم أم لا " ويبدو أن انجلز لا يري في صور الإيمان المختلفة غير" الستار الدينيللمصالح الطبقية .
لكن انجلز بفضل منهجه الذي يؤكد علي الصراع الطبقي ن قد أدرك - خلافا لفلاسفة التنوير - أن النزاع بين المادية والدين لا يتطابق دائما مع الصراع بين الثورة والرجعيةفنحن نجد ، علي سبيل المثال ، في إنجلترا في القرن الثامن عشر ، أن المادية ممثلة في شخص هوبز قد دافعت عن الملكية المطلقة في حين أن الشيع البروتستانتية قد استخدمت الدين كراية لها في النضال الثوري ضد آل ستيوارت .
وبالشكل نفسه ،بدلا من اعتبار الكنيسة كلا متجانسا من الناحية الاجتماعية نقدم تحليلا رائعا يبين كيف أن الكنيسة قد انقسمت في بعض المنعطفات التاريخية بحسب تركيبها الطبقي . وهكذا فخلال زمن الإصلاح ،كان علي أحد الجانبين كبار رجال الدين ، القمة الإقطاعية للهيراركية، وكان علي الجانب الآخر صغار رجال الدين ، الذين جاء من بين صفوفهم إيديولوجيو الإصلاح وإيديولوجيو الحركة الفلاحية الثورية ز ومع كون انجلز ماديا " ملحدا " وعدوا لدودا للدين ، فانه قد أدرك ، شأنه في ذلك شأن ماركس الشاب ، الطابع المزدوج للظاهرة الدينية : دورها في إضفاء الشرعية علي النظام القائم ، ولكن أيضا ، تبعا للظروف الاجتماعية ، دورها الإنتقادي والاحتجاجي ، بل والثوري .
وعلاوة علي ذلك فإن معظم الدراسات الملموسة التي كتبها قد ركزت علي هذا الجانب الثاني : حيث تركزت ، بالدرجة الأولي ، علي المسيحية البدائية،
ديانة الفقراء والمنبوذين والمهانين والمضطهدين والمقهورين .
فقد جاء المسيحيون الأوائل من ادني مستويات المجتمع : العبيد ، الأحرار الذين حرموا من حقوقهم ، وصغار الفلاحين الذين نزحوا تحت نير الديون 
بل إن إنجلز قد مضي إلى حد رسم تواز مثير بين هذه المسيحية البدائية والاشتراكية الحديثة : ( أ ) إن الحركتين الكبيرتين ليستا من عمل زعماء وأنبياء- مع أن الأنبياء ليسوا بالمرة قليلين في أي منهما -بل هما حركتان جماهيريتان .
ب )إن كليهما حركات مضطهدين ، يعانون من القهر والمنتمون إليهما يتعرضون للتشريد والملاحقة من جانب السلطات الحاكمة .
ج ) أن كليهما يدعوان إلى تحرر وشيك من العبودية والبؤس . وسعيا إلى زخرفة مقارنته ، نجد أن إنجلز يتجه ، بشكل مثير إلى حد ما ، إلي الاستشهاد بقول مأثور للمؤرخ الفرنسي رينان : " إذا أردتم تكوين فكرة عما كانت عليه حال الجماعات المسيحية الأولي ، انظروا إلي شعبة محلية لرابطة العمال الأممية " ويري انجلز أن الفارق بين الحركتين يتمثل في أن المسيحيين الأوائل قد نقلوا الخلاص إلي الآخرة بينما تتصوره الاشتراكية في هذا العالم الدنيوي . ولكن هل يعتبر هذا الفارق واضحا بالدرجة التي يبدو بها للوهلة الأولي ؟
يبدو أنه قد اصبح مطموسا في دراسة إنجلز للحركة المسيحية الكبرى الثانية - " حرب الفلاحين في ألمانيا " - فتوماس مونزر، لاهوتي وقائد الفلاحين الثوريين والعوام الهراطقة في القرن السادس عشر كان يريد تجسيدا فوريا علي الأرض لمملكة الرب ، مملكة الأنبياء الألفية السعيدة . ويري انجلز أن مملكة الرب كانت بالنسبة لمونزر مجتمعا لا يعرف الفوارق الطبقية ولا الملكية الخاصة ولا سلطة دولة مستقلة عن أفراد ذلك المجتمع وغريبة عنه .
علي أن انجلز كان ما يزال ميالا إلى اختزال الدين إلي مستوي حيلة : فقد تحدث عن " صيغ " مونزر " الكلامية " المسيحية وعن " ستاره " الإنجيلي ويبدو انه قد غاب عن باله البعد الديني المحدد للنزعة الألفية المونزرية ، قوتها الروحية والأدبية ،وعمقها الصوفي المعيش معايشة صادقة . وأيا كان الأمر ، فإن انجلز ، بتحليله الظاهرة الدينية من منظور الصراع الطبقي ، قد ابرز القوة الاحتجاجية للدين وشق الطريق لنهج جديد - متميز عن كل من الفلسفة التنويرية التي ترجع إلي القرن الثامن عشر والهيجلية الجديدة الألمانية - لتناول العلاقة بين الدين والمجتمع .
ومعظم الدراسات الماركسية في القرن العشرين عن الدين تقتصر إما علي تفسير أو تطوير للأفكار التي عرضها ماركس وانجلز أو علي تطبيقها علي واقع محدد .
كاوتسكي ولينين ولوكسمبورج
تلك هي الحالة مثلا مع دراسات كارل كاو تسكي التاريخية عن المسيحية البدائية ، والهرطقات التي عرفتها العصور الوسطي ، وعن توماس مور وتوماس مونزر . وبينما يقدم لنا كاوتسكي نظرات ثاقبة وتفصيلات مهمة عن الأسس الاجتماعية والاقتصادية لهذه الحركات وعن طموحاتها المشاعية ،
فإنه عادة ما يختزل معتقداتها الدينية إلي مستوي مجرد " قشرة " أو"حلة " " تخفي " محتواها الاجتماعي . وفي كتابه عن الإصلاح الألماني ، لا يبدد أي وقت في تناول البعد الديني للنزاع بين الكاثوليك واللوثريين والقائلين بتجديد العماد :
واحتقارا منه ل " المشاجرات اللاهوتية " بين هذه الحركة الدينية ، يري أن
المهمة الوحيدة للمؤرخ هي " إرجاع نزاعات تلك الأزمنة إلى تناقضات المصالح المادية " . وكان كثيرون من الماركسيين في الحركة العمالية الأوربية معادين بشكل جذري للدين لكنهم كانوا يرون أن المعركة الإلحادية ضد الأيديولوجية الدينية يجب أن تخضع للضرورات الملموسة للنظام الطبقي ، الذي يتطلب الوحدة بين العمال الذين يؤمنون بالرب وأولئك الذين لا يؤمنون به .
ولينين نفسه - الذي غالبا ما شجب الدين باعتباره " ضبابا صوفيا "- يؤكد في مقالة الذي يحمل عنوان " الاشتراكية والدين " ( 1905 ) علي أن الإلحاد لا يجب أن يكون جزء من برنامج الحزب لأن " الوحدة " في النضال الثوري الذي تخوضه الطبقة المقهورة من اجل خلق فردوس علي الأرض أهم بالنسبة لنا بكثير من وحدة الرأي البروليتاري حول الموقف من فكرة الفردوس في السماء .
وقد تقاسمت روزا لوكسمبورج هذا الرأي ، لكنها طورت نهجا مختلفا واكثر مرونة فعلي الرغم من أنها كانت هي نفسها ملحدة ، فقد هاجمت في كتاباتها السياسة الرجعية للكنيسة - باسم تراثها - بأكثر مما هاجمت الدين . وفي بحث كتب في عام 1905 ، ( الكنيسة والاشتراكية ) قالت أن الاشتراكيين الجدد اكثر إخلاصا للمبادئ الأصلية للمسيحية من رجال الدين المحافظين المعاصرين .
وبما أن الاشتراكيين يناضلون من اجل نظام اجتماعي يتميز بالمساواة والحرية والإخاء ، فإن القساوسة ، إذا كانوا يريدون مخلصين أن يطبقوا في حياة البشرية المبدأ المسيحي الذي يدعو إلي أن يحب المرء جاره حبه لنفسه ، يجب أن يرحبوا بالحركة الاشتراكية .
فعندما يؤيد رجال الدين الأغنياء ، الذين يستغلون ويضطهدون الفقراء ، فانهم يكونون في تناقض سافر مع التعاليم المسيحية : إنهم يخدمون العجل الذهبي لا المسيح . وكان رسل المسيحية الأوائل مشاعيين متحمسين وقد حجب آباء الكنيسة مثل بازيل الأكبر ويوحنا كريسوستوم ) الظلم الاجتماعي وهذه القضية تتولاها اليوم الحركة الاشتراكية التي تحمل إلي الفقراء إنجيل الإخاء والمساواة ، وتدعو الشعب إلي إنشاء مملكة الحرية وحب الجار علي الأرض . وبدلا من خوض معركة فلسفية باسم المادية ، تحاول روزا لوكسمبورج استنقاذ البعد الاجتماعي للتراث المسيحي لحساب الحركة العمالية .وكان الماركسيون النمساويون ، اوتو باور وماكس أدلر ، الخ ، اقل عداوة للدين بكثير من زملائهم الألمان والروس . ويبدو انهم قد اعتبروا الماركسية متمشية مع شكل ما للدين ، لكن ذلك يشير أساسا إلي الدين بوصفه " عقيدة فلسفية " ( ذات إلهام قانطي جديد ) وليس إلي تقاليد دينية تاريخية ملموسة . الأممية الشيوعية لم يول اهتمام كبير للدين في الأممية الشيوعية . وقد انضم عدد هام من المسيحيين إلي الحركة ، وخلال العشرينات ، نجد أن قسا بروتستانتيا سويسرا سابقا ، هو جول أمبير - دروز ، قد اصبح واحدا من قادة الكومنترن ( الأممية الشيوعية ) الرئيسيين . وكانت الفكرة السائدة بين الماركسيين آنذاك هي أن المسيحي الذي صار اشتراكيا أو شيوعيا إنما يعتبر بالضرورة متخليا عن معتقداته الدينية "اللاعلمية " و "المثالية " السابقة .
وعمل برتولد بريشت المسرحي الجميل الذي يحمل عنوان " جان الجزارات " ( 1932)هو مثال جيد لهذا النوع من التناول التبسيطي لتحول المسيحيين إلي النضال من اجل التحرر البروليتاري . ويصف بريشت بشكل بالغ الذكاء العملية التي تكتشف عبرها جان ، وهي قائدة لجيش الخلاص ، حقيقة الاستغلال والظلم الاجتماعي وتموت متنكرة لمعتقداتها السابقة . إلا أنه لابد من أن توجد بالنسبة له قطيعة مطلقة وكاملة بين إيمانها المسيحي السابق وإيمانها الجديد بالنضال الثوري .
وقبيل موتها مباشرة تقول جان للشعب : " إن جاءكم أحدا يوم ما ليقول أن هناك ربا ، وإن كانت لا تدركه الأبصار ، يمكنكم انتظار عونه ، ارجموه بحجر علي رأسه دون رحمه إلي أن يموت " .
وفي هذا النوع من المنظورات " المادية " الفجة - وغير المتسامحة بالمرة - ضاعت بصيرة روزا لوكسمبورج النافذة ، التي رأت أن بوسع المرء النضال من اجل القيم الحقيقية للمسيحية الأصلية .
والواقع أنه قد ظهرت في فرنسا ( 1936 - 1938 ) ، بعد سنوات قليلة من كتابة بريشت لهذه المسرحية ، حركة للمسحيين الثوريين تجمع عدة آلاف من المناضلين الذين ساندوا الحركة العمالية بنشاط ، خاصة جناحها الأكثر جذرية ( جناح الاشتراكيين اليساريين الذين تزعمهم مارس بيفير ) . وكان شعارهم الرئيسي " نحن اشتراكيون لأننا مسيحيون " .
جرامشي
من بين زعماء ومفكري الحركة الشيوعية ، من الأرجح أن جرامشي هو الوحيد الذي أبدى الاهتمام الأكبر بالمسائل الدينية .
كما أنه أحد الماركسيين الأوائل الذين حاولوا فهم الدور المعاصر للكنيسة الكاثوليكية وثقل الثقافة الدينية بين الجماهير الشعبية وملاحظاته عن الدين التي سجلها في " دفاتر السجن " ذات طابع متناثر ومبعثر وتلميحي ، لكنها في الوقت نفسه جد نافذة .
والواقع أن نقده الحاد الساخر لأشكال الدين المحافظة - خاصة النوع اليسوعي من الكاثوليكية ، الذي كان يمقته من صميم فؤاده - لم يحل بينه وبين أن يدرك أيضا البعد الطوباوي للأفكار الدينية " .... أن الدين هو اضخم " ميتافيزيقيا " عرفها التاريخ حتى الآن ، لأنه اضخم محاولة للتوفيق ، في شكل ميثولوجي ، بين التناقضات الفعلية للحياة التاريخية . فالواقع أنه يؤكد أن البشرية لها " طبيعة " واحدة ، أن الإنسان ... بقدر ما أنه قد خلقه الرب ، ابن الرب ، هو من ثم أخو للبشر الآخرين ومثلهم ... ، لكنه يؤكد أيضا أ، ذلك كله لا ينتمي إلي هذا العالم ، بل إلي عالم آخر (اليوتوبيا ) . وهكذا فإن أفكار المساواة والإخاء ، والحرية تنبجس بين البشر ... وهكذا فإن هذه المطالب قد طرحت دائما في كل تحرك جذري للجماهير ، علي نحو آخر ، بأشكال خاصة وبايديوجيات خاصة " كما أكد علي التمايزات الداخلية للكنيسة وفقا للتوجهات الإيديولوجية - تيارات ليبرالية ويسوعية وأصولية داخل الثقافة الكاثوليكية - ووفقا للطبقات الاجتماعية المختلفة :
إن كل دين ... هو في الواقع عديد من الأديان المختلفة والمتناقضة غالبا :
فهناك كاثوليكية للفلاحين وكاثوليكية للبرجوازية الصغيرة وعمال المدن وكاثوليكية للمرأة وكاثوليكية للمثقفين .... " وتتصل معظم ملاحظاته بتاريخ ودور الكنيسة الكاثوليكية الحالي في إيطاليا : تعبيرها الاجتماعي والسياسي من خلال جماعة العمل الكاثوليكي وحزب الشعب ، وعلاقتها بالدولة وبالطبقات التابعة ، الخ . وقد اهتم علي نحو خاص بأسلوب تجنيد المثقفين التقليديين واستخدامهم كأدوات للهيمنة من جانب الكنيسة : " مع أنها قد نظمت آلية مثيرة للاختيار 
الديمقراطي " لمثقفيها ، فإنهم قد اختيروا كأفراد فرادى وليس كتعبير تمثيلي عن الجماعات الشعبية " .
بلوخ
إن تحليلات جرامشي ثرية ومحركة للتأمل ، لكنها ، في التحليل الأخير ، لا تجدد في منهج تناول الدين . وأرنست بلوخ هو الكاتب الماركسي الأول الذي غير الإطار النظري جذريا 
دون أن يتخلي عن المنظور الماركسي والثوري .
وبأسلوب مماثل لأسلوب أنجلز ، ميز بين تيارين متعارضين من الناحية الاجتماعية : من جهة ، دين الكنائس الرسمية الثيوقراطي ، أفيون الشعب ، جهاز تضليلي يخدم الأقوياء ، ومن الجهة الأخرى ، الدين السري ، الهدام والخارج الذي عرفه الألبيجينسيون ( شعبة دينية ظهرت في فرنسا بين عامي 1029- 1250 ، وترضت للقمع بتهمة الهرطقة - المترجم ) والهوسيون ( اتباع يان هوس ( 1369- 1415 ) المصلح الديني في بوهيميا ، والذي احرق بتهمة الهرطقة - المترجم ) ويواقيم الفلوري وتوماس مونزر
وفرانتس فون بادر ، وفيلهيلم فايتلينج وليو تولستوي .
علي أن بلوخ ، خلافا لإنجلز ، رفض اعتبار الدين مجرد " ستار " لمصالح طبقية وقد انتقد هذا المفهوم بشكل صريح ، وإن كان قد رده إلي كاوتسكي وحده ... فالدين في أشكاله الاحتجاجية والمتمردة هو أحد أهم أشكال الوعي الطوباوي ، أحد اغني التعبيرات عن مبدأ الأمل .
واللاهوت اليهودي - المسيحي عن الموت والخلود - الكون الديني الأثير لدى بلوخ - أنما يرمز ، من خلال قدرته علي التوقع الإبداعي ، إلي الفضاء الخيالي لما لم يأتي بعد.
واستنادا إلي هذه التصورات ، يطور بلوخ تفسيرا غير أرثوذكسي وخارجا علي الأعراف التقليدية للكتاب المقدس - بعهديه القديم والجديد - مقدما إنجيل الفقراء ، الذي يدين الفراعنة ويدعو الجميع إلي الاختيار بين قيصر والمسيح . والواقع أن بلوخ وهو ملحد ديني - إنه يري أن الملحد هو وحده الذي يمكنه أن يصبح مسيحيا صالحا وأن المسيحي الصالح وحده هو الذي يمكنه أن يصبح ملحدا - ولاهوتي للثورة ، لم يقدم مجرد قراءة ماركسية للنزعة الألفية (مقتفيا اثر أنجلز في ذلك ) بل قدم أيضا - وهذا هو الجديد ، تفسيرا ألفيا للماركسية ، حيث يجرى اعتبار النضال الاشتراكي من أجل مملكة الحرية وريثا مباشرا لهرطقات الماضي الأخروية والجماعية .
وبطبيعة الحال فإن بلوخ ، شأنه في ذلك شأن ماركس الشاب الذي كتب فقرة 1844 الشهيرة ، وقد ميز الطابع المزدوج للظاهرة الدينية ، جانبها القهري وكذلك قدرتها علي التمرد .
ويتطلب الجانب الأول استخدام ما يسميه ب " تيار الماركسية البارد " : التحليل المادي الذي لا يكل للأيديولوجيات والأوثان والوثنيات .
علي أن الجانب الثاني يتطلب " تيار الماركسية الدافق " الذي بسعي إلي استنقاذ الفائض الثقافي الطوباوي في الدين ، قوته الانتقادية والتوقعية . وبعيدا عن أي " حوار " كان بلوخ يحلم باتحاد حقيقي بين المسيحية والثورة مثلما حدث في حرب الفلاحين في القرن السادس عشر . وإلي حد ما ، كان بعض أعضاء مدرسة فرانكفورت يتقاسمون أراء بلوخ . فقد رأى ماكس هوركهايمر أن " الدين هو سجل رغبات وأشواق واحتجاجات اجيال لا حصر لها " وفي كتابه " عقيدة المسيح ( 1930 ) ، استخدم أيريك فروم الماركسية والتحليل النفسي لتوضيح جوهر المسيحية البدائية الخلاصي والشعبي والمساواتي والمعادي للتسلط ، وقد حاول فالتر بنيامين أن يؤلف ، في تركيب فريد وأصيل ، بين اللاهوت والماركسية ، بين الخلاصية اليهودية والمادية التاريخية .
جولدمان
ويعتبر عمل لو سيان جولدمان محاولة رائدة أخرى لتجديد التناول الماركسي للدين ومع أن مصادر إلهام جولدمان تختلف اختلافا بينا عن مصادر الهام بلوخ ، إلا أنه قد اهتم هو إيضاح برد الاعتبار إلى القيمة الأخلاقية والإنسانية للتراث الديني .
وقد طور في كتابه " الرب المحتجب " ( 1955 ) تحليلا سوسيولوجيا جد مرهف ومبتكر للهرطقة اليانسنية ( بما في ذلك مسرح راسين وفلسفة باسكال ) بوصفها فلسفة مأساوية ، تعبر عن الوضع الخاص لشريحة اجتماعية ( نبلاء الرداء ) في فرنسا في القرن السابع عشر ز
علي أن الجزء الأكثر إثارة للدهشة والأكثر أصالة في هذا العمل هو المحاولة الرامية إلي المقارنة بين الإيمان الديني والأيمان الماركسي - دون دمجهما : فكلاهما يرفضان النزعة الفردية الخالصة العقلانية أو التجريبية ) وكلاهما يؤمنان بقيم فوق فردية - الرب بالنسبة للدين والجماعة الإنسانية بالنسبة للاشتراكية .
ويوجد تناظر مماثل بين الرهان الباسكالي علي وجود الرب والرهان الماركسي علي تحرر الإنسانية : إن كليهما يفترضان المجازفة ، وخطر الفشل وأمل النجاح .
وكليهما ينطويان علي إيمان أساسي معين لا يمكن إثباته علي مستوي الأحكام الواقعية وحده . وبطبيعة الحال ف'ن ما يفصل بينهما هو الطابع فوق الطبيعي أو فوق التاريخي للتسامي الديني ودون أن يهدف بآية حال " إضفاء طابع مسيحي علي الماركسية "ادخل جولدمان أسلوبا جديدا للنظر إلي العلاقة الصراعية بين الأيمان الديني والإلحاد الماركسي .
لقد رأي ماركس وانجلز أن الدور الانتقادي الذي لعبة الدين هو شيء ينتمي إلى الماضي ، لم تعد له أية أهمية في عصر الصراع الطبقي الحديث .
وقد تأكد هذا التوقع من الناحية التاريخية إلى هذا الحد أو ذاك علي مدار قرن - فيما عدا استثناءات هامة قليلة ( خاصة في فرنسا ) : حركة الاشتراكيين المسيحيين في الثلاثينيات ، حركة القساوسة العمال في الأربعينيات ، يسار النقابات المسيحية الاتحاد الفرنسي للعمال المسيحيين في الخمسينيات ، الخ . آلا أنه لفهم ما كان يحدث خلال السنوات الثلاثين الماضية في أمريكا اللاتينية - وفي الفلبين أيضا وبدرجة اقل في قارات أخري - فإننا بحاجة إلي أن ندمج في تحليلنا رؤى بلوخ ( وجولمان ) الثاقبة حول الطاقة الطوباوية للتراث اليهودي - المسيحي 

مايكل لوفي
ترجمة : بشير السباعي